- أحاديث رمضان
- /
- ٠11رمضان 1425هـ - ومضات ايمانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الإخوة، الله عز وجل حينما قال:
﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) ﴾
المحبة كما يصفها العلماء شيء معنوي لا يمكن إثباته، كلٌ يدعي أنه يحب الله عز وجل، فالدعوى سهلة جداً، وقد لا ينطوي قلب الإنسان على محبة لله، ويدّعي أنه يحب الله، فلذلك لأن دعوى المحبة يستطيعها كل إنسان، وينطق بها كل إنسان، ويدعيها كل إنسان، الله عز وجل طالب من ادعى محبته بدليل مادي، بدليل يُرى بالعين، بدليل ثابت،
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي ﴾
إذاً لا يستطيع الإنسان أن يدعي حبَّ الله عز وجل وليس مطبقاً لسنة النبي عليه الصلاة والسلام، تعد دعواه كاذبة.
دليل آخر، هو أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما قال:
(( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان ـ ما هي الثلاث ؟ ـ أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ))
وقف علماء الحديث عند هذا الحديث وقفة متأنية، لو سألت مسلمي الأرض المليار والثلاثة مئة مليون: ألا تحبون الله ؟ لن تستمع إلى جواب سلبي إطلاقاً، الكل يقول: نحن نحب الله، ولكن شراح الحديث رأوا أن هذا المعنى ينصرف إلى أن محبة الله تعني أن تطيعه فيما أمر، في أمرِ القرآن، أن يكون الله في قرآنه، والنبي في سنته أحب إليك من أي شيء آخر، عند التعارض، حينما تتعارض مصلحتك مع النص القرآني، وحينما تتعارض مصلحتك مع النص النبوي الصحيح، وتؤثر طاعة الله وطاعة رسول الله، وتضع مصلحتك المتوهمة تحت قدمك فأنت إذاً تحب الله.
فلذلك: ما عند الله جل جلاله لم يربط إلا بالعمل
﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً﴾
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾
﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾
معنى ذلك أنه لن تستطيع أن تخدع الله ولا ثانية واحدة.
﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾
يمكن أن تخدع معظم الناس لبعض الوقت، ويمكن أن تخدع بعض الناس لكل الوقت، أما أن تخدع كل الناس لكل الوقت فهذا من سابع المستحيلات، أما أن تخدع الله ونفسك لثانية واحدة فهذا من أشد المستحيلات.
فلذلك أيها الإخوة، لما كثر مدّعو محبة الله عز وجل طالب الله بالدليل، والدليل طاعة رسوله، ذلك لأن القرآن الكريم فيه أحكام عامة، وفيه قضايا عامة، وفيه توجيهات عامة، أما التفاصيل فجاءت بها السنة المطهرة، فلذلك هذا الذي يتوهم أنه يتبع ما في القرآن هو ليس بحاجة إلى ما في السنة هذا يكذب القرآن الكريم، لأن الله عز وجل يقول:
﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾
إذاً الملمح الأول في قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾، أي إن المحبة شيء معنوي، هي حقيقة، ولكنها ليست شيئاً مادياً، هذه الطاولة لها وزن، ولها حجم، ولها لون، ولها طول، وعرض، وارتفاع، وأبعاد، وتشغل حيزاً مادياً، لكن المحبة في القلب لا تقاس بوزن، ولا بحجم، ولا بطول، ولا بعرض، ولا بارتفاع، ولا بلون، ولا بقساوة، ولا بحرارة، شعور داخلي، هذا الشعور يصعب إثباته، لذلك لما كثر مدّعو المحبة طولبوا بالدليل، والدليل يرى بالعين، الدليل أن تصلي كما صلى النبي عليه الصلاة والسلام، الدليل أن تغض بصرك، الدليل أن تضبط لسانك، الدليل أن تضبط دخلك، الدليل أن تضبط إنفاقك، الدليل أن تكون حيث أمرك، وأن يفتقدك الله حيث نهاك، الدليل أن تحرر دخلك من الحرام، الدليل أن تنفق مالك في وجوه الخير، الدليل أن يكون بيتك إسلامياً، الدليل أن يكون عملك إسلامياً، الدليل أن تكون البضاعة التي تتعامل معها مشروعة، الدليل أن تقيم علاقة حميمة مع إنسان بعيد عن الله عز وجل، الدليل أن تبحث لابنتك عن زوج مؤمن، لا عن زوج غني، ولا تعبأ بدينه.
فيا أيها الإخوة الكرام، المحبة شيء معنوي، شعور بالقلب، وكثيراً ما تُدعى، ولأنها تُدعى لم يكن دليلها شيئاً معنوياً آخر.
افتراضاً لو أن الحديث: من أحب الله فليحبني، دليل محبة الله معنوي، الدليل معنوي على ادعاء معنوي، معنوي بمعنوي، أما الآية فصريحة وحاسمة:
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي ﴾
فلذلك أيها الإخوة، هناك وهم عند بعض الناس، أنه يجد إنسان تارك الصلاة أو مرتكب معصية، يقول: لعله ولي لله، هذا كلام فارغ، هذا كلام فيه تضليل، هذا كلام فارغ، هذا كلام فيه لعب بالدين، المعصية معصية، والطاعة طاعة، والمعصية يحاسب عليها أي إنسان في أي زمان ومكان.
فأحبابنا اختاروا المحبة مذهباً وما خالفوا في مذهب الحب شرعنا
الشرع فوق الجميع.
(( إنَّ اللَّهَ تَعالى أمَرَ المُؤْمِنِينَ بِمَا أمَرَ بِهِ المُرْسَلِينَ ))
إذاً أيها الأخوة:
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾
شيء آخر، هو أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما أشار إلى المحبة أشار إلى نتائجها، فعلامة المحبة الطاعة، قال بعض العلماء: مستحيل أن تعرفه ثم لا تحبه، ومستحيل أن تحبه ثم لا تطيعه.
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ذاك لعمري في المقال شنيع
لو كان حبك صادقاً لأطـعته إن المحب لمن يحب يطيع
الآن حينما ادعى اليهود والنصارى أنهم أحباب الله.
﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾
بماذا رد عليهم الله عز وجل ؟
﴿فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ﴾
الإمام الشافعي رحمه الله تعالى رأى أن الله جل جلاله لو قبِل دعوى هؤلاء لما عذبهم، لأن الله لا يعذب أحبابه، ولكنه رفض دعواهم فقال:
﴿ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾
، لأن الله رفض هذه الدعوى عذبهم، ولو أنه قبل دعواهم لما عذبهم، لأنه يستنبط من هذه الآية أن الله جل جلاله لا يعذب أحبابه.
هذا الكلام أيها الإخوة ينفعنا جميعاً لئلا تقع في وهم، لئلا تقع في تصور خاطئ، لئلا تتوهم أنك مؤمن، وأنت لست كذلك، علامة محبتك طاعتك، علامة محبتك اتباع سنة نبيك، علامة محبتك أنك تعظم شعائر الله.
﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) ﴾
إذاً موضوع المحبة ينبغي أن يربط بالدليل دائماً، المحبة يدعيها كل إنسان، ويتحدث عنها كل إنسان، ولكن كما قال الشاعر:
وكل يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاك
علامة المحبة طاعة الله عز وجل، لو رأيتم إنسانا يطير في الهواء، أو يمشي على وجه الماء، ولم يكن عند الحلال والحرام فلا تعبئوا به، الولاية لا أن تطير في الهواء، ولا أن تمشي على وجه الماء، ولكن أن يراك حيث أمرك، وأن يفتقدك حيث نهاك.